المجلس العالمي لشيوخ الإقراء

صور من التساهل الذي يَحدث في الإقراء المباشر وعن بُعد
28 جمادى الأولى 1443

صور من التساهل الذي يَحدث في الإقراء المباشر وعن بُعد والتي لا يُقِرُّها المجلس العالمي لشيوخ الإقراء لمخالفتها للأمانة في الإعطاء ويُحذِّر منها

للتساهل في الإجازة والإقراء صور كثيرة منها:

  1. عدم الإصغاء التامِّ إلى الطالب أثناء قراءته لختمة الإجازة، فربَّما اشتغل المقرئ بأمرٍ صارفٍ عن الاستماع كقراءة في كتاب، أو كلامٍ مع طالب آخر ، والطالب يَقرأ ، فيمرُّ بأحكام أدائية قد لا تأتي إلا في موضعٍ واحدٍ في القرآن فلا يُوقَف على صَوابها وأدائها الصحيح.
  2. عدم الحرص على توقيف الطالب على دقائق أحكام التجويد وتحقيقها، وإعادة أدائها لضبطها وإتقانها.
  3. إقراء الطالب مما يكون معه الشيخ غير مُنصتٍ للطالب تماماً، ولا الطالب مُجتمع الذهن لتصحيح القراءة.
  4. عدم وضوح نصِّ الإجازة: فقد تكون القراءة نظراً من المصحف ولا يُنَصُّ على ذلك، أو قد تكونُ لبعض القرآن لا لكُلِّه، ولا يُبَيَّنُ هذا الأمر.
  5. قراءة ختمةٍ (مرَقَّعة) على أكثرَ من أستاذٍ ثُمَّ يُجِيزُ واحدٌ منهم بكُلِّ القرآن الكريم.
  6. إقراء أكثر من طالبٍ بالتناوب ختمةً واحدةً على شيخٍ واحد، ثم يُجيزُهم أجمعين.
  7. قراءةُ ختمةٍ (مرَقَّعة) بأكثرَ من رواية؛ كأن يكون بعضُها على رِواية حَفص، وبعضُها على رواية ورشٍ أو قالون، ثمَّ يُقال: قَرأَ عليَّ ختمةً كاملةً بالرِّوايتين، فيُوهِم أنَّه قد جَمَع كلَّ أوجه الروايتين في تلك الختمة، مع أنَّ هذا لم يَحدُث، وهذا من أنواع التدليس، ولا مسوِّغ له.
  8. قراءةُ ختمةٍ سريعةٍ في وقتٍ ضَـيِّق جداً بِحُجة أنَّ الطالب على سفر، أو غريبٌ، ويريد نيل الإجازة قبل سَفَرِه، فيُتسَاهل معه في جَودة الأداء ودِقَّة الأحكام، بل إن كثيراً من الأحكام التي يجب عليه معرفتها نظرياً لا تُشرحُ له ويُجاز من غير أن يعرفها بِحُجَّة ضيق الوقت، فما فائدةُ إجازة كهذه؟ وهل الإجازة غايةٌ أو وسيلة؟
  9. بعض السَّادة المقرئين يَجورُ على نفسِه، ويَضغطُ عليها أكثر مِمِّا تَحتمِل، فيَجلس للإقراء مع شِدَّة الإعياء أو النُّعاس، مما يُفوِّت عليه الأمانة في التلقين، خاصةً لأحكام بعضِ الكلمات التي لا تتكرَّرُ في القرآن الكريم، وفي الحديث النبويِّ الشريف: (خُذُوا من العَمَل ما تُطِيقونَ) أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ.
  10.  إقراء أكثر من طالب في وقتٍ واحدٍ، ولا يُحتج بما نُقل عن الإمام علم الدين السخاوي أنه كان يفعله، إذ لا دليل في هذا الخبر على أنهم كانوا يقرؤون عليه على سبيل الإجازة، بل ربما كانوا يقرؤون على سبيل الحفظ الأوليِّ أو المراجعة، وهو أمرٌ فوق الطاقة، إذ ما جعل الله لرجلٍ من قلبَين في جوفه.
  11. بعض السَّادة المقرئين إذا قرأ الطالب ختمةً كاملةً برواية حفص، وأجازه الشيخ، فلا يلزمه في باقي القراء إلا بقراءة أوجه الخلاف، فمثلاً: رواية شعبة قد يقرأ الطالب أوجه الخلاف في مجلس واحد، ويُجيزه في الرواية، وهكذا بقية الروايات.

ضوابط  منح الإجازةِ بالقرآن الكريم

  أوَّلًا: حفظُ القرآنِ الكريمِ حِفظًا كاملًا مُتقَنًا:

وذلك لأَنَّ الأسانيدَ التي وصلَنا القرآنُ العظيمُ من خِلالِها قد قرأَ كلُّ واحدٍ من رجالِها على شيخِه غيبًا مِن حفظِه، بدءًا مِن مشايِخنا وانتهاءً إلى رسولِ الله e، فالسندُ مُسلسَلٌبالقراءةِ الكاملةِ عن ظهرِ قلبٍ.

ومَن قرأ على أستاذِه نظرًا مِن المصحفِ مع التجويدِ الكامل، ثم طلبَ إجازةً فلا مانعَ أن يُعطَى شهادةً بما قرأ، يُوصَفُ فيها الواقعُ الذي جرَى, ويُبيَّنُ أنَّ فلانًا قرأ القرآنَ كلَّه أو بعضَه نظرًا مِن المصحفِ مع التجويدِ الكاملِ والضبطِ التامِّ، ويَقترح المجلس أن تُسمَّى: « شهادةَ إتقانِ تلاوةِ القرآن » وذلك تمييزًا لها عن الإجازةِ القرآنيَّةِ التي تعارَفَ القرَّاءُ عليها.

ثانيًا: حفظُ منظومةِ « المقدِّمة الجزريَّة » في التجويد، وفهمُ شرحها:

وذلك لأنَّ نقلَ القرآنِ العظيمِ يَتِمُّ ضِمنَ ضوابطَ وقُيودٍ معيَّنة، من حيثُ مخارجُ الحروفِ وصفاتُها مفرَدةً ومجتمِعةً، لهذا تَحتَّمَ على طالبِ الإجازةِ معرفةُ هذه الضوابطِ وحفظُها، وقد جرَتْ عادةُ القُرَّاءِ على حفظِ منظومةِ « المقدِّمة الجزريَّة » في التجويد، لإمام القُراءِ ابنِ الجزريِّ – رحمه الله – لكونِها حَوَتْ مُعظمَ أحكامِ التجويد، ثم تَحتَّمَ عليهم معرفةُ معانيها وفهمُ شرحِها ؛ لتكونَ مرجعًا لهم تَحفَظُ تلاوتَهم من اللَّحْن، فللرِّوايةِ نقلُها، وللدِّرايةِ ضبطُها.

ثالثًا: قراءةُ القرآنِ الكريمِ كاملًا على الشيخِ المُجيزِ حرفًا حرفًا:

وذلكَ مِن أوَّلِ الفاتحةِ إلى آخِرِ الناس، مع مراعاةِ جميعِ أحكام التجويدِ من حيثُ المخارجُ والصفاتُ وغيرُ ذلك ممَّا هو معلوم.

   وما يفعلُه بعضُهم مِن قراءةِ أحدِ الطلابِ عليه شيئًا مِن القرآنِ ثم يُجيزُه إجازةً مُبهَمةً تُوهِمُ أنَّه قد قرأ كاملَ القرآن فهذا لا يَصحُّ ولا يَجوز، إلَّا إذا نَصَّ المُجيزُ أنَّ فلانًا قرأ من كذا إلى كذا وأجزتُه بذلك.

أمَّا أن يقرأَ الطالبُ على أستاذِه بعضَ القرآنِ ثم يُجيزُه بجميعِه فهذا مستعملٌ عند بعضِ القرَّاءِ إن علمَ وتأكَّدَ أنَّ هذا الطالبَ قد قرأ على غيرِ هذا الأستاذِ كاملَ القرآن وأتقنَه وأُجيزَ به، وتُسمَّى هذه: الإجازةُ بالمتابَعة.

لكن إذا ما كان هذا الطالبُ مُستجِدًّا في القراءة ولا يعلمُ أستاذُه  عن قراءتِه باقي القرآنِ شيئًا فلا يجوزُ له أن يُجيزَه ؛ لأنَّ في القرآنِ ألفاظًا لا تَرِدُ إلَّا مرةً واحدة، وضبطُها يحتاجُ لاِنتباهٍ وتَيَـقُّظ، كالإشمامِ والرَّومِ في ﴿ تَأْمَنَّـا ﴾ بيوسف، والإمالةِ الكبرى في ﴿ مَجْرَاهَا ﴾ بهود، والتسهيلِ في:
﴿ ءَأَعْجَمِيٌّ ﴾ بفُصِّلَت.

فهذه بعضُ الألفاظِ التي لم تتكرَّرْ في القرآن، كيف يَشهدُ الشيخُ للطالبِ أنَّ أداءَهُ صحيحٌ لهذه الكلماتِ وهو لم يَسمَعْها منه ولم يَضبِطْها لَهُ ؟ واللُه تعالى يقول: ﴿ سَتُـكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ سُورَةُ الزُّخرف: 19.

 

رابعًا: تدريبُ المُجيزِ للمُجازِ على الإِقراء:

لأنَّ القراءةَ شيءٌ، والإِقراءَ شيءٌ آخر.

فكم ممَّن يُحسِنُ القراءةَ ولا يُحسِنُ الإقراء، فينبغي للمُجيزِ أن يُدرِّبَ طالبَه على الإقراء، وذلك بأن يأتيَ بطالبٍ جديدٍ في التلاوةِ ويأمرَ طالبَ الإجازةِ أن يُصحِّحَ له تلاوتَه أمامَه على نحوِ الهيئةِ التي تلقَّاها من مُجيزِه، فإن استطاعَ ذلك فهو أهلٌ لأن يُقرئَ غيرَه، وإن لم يَستطِعْ فيُجيزُه أستاذُه أن يَقرأَ فقط، ولا يَحِقُّ للمُجيزِ أن يأذنَ له بالإقراءِ حتى يصيرَ أهلًا لذلك، وإلَّا فسنرى انحرافًا في أداءِ القرآنِ والتجويد، سببُه عدمُ الأهليَّةِ للإقراء.

كما ينبغي للمُجيزِ تدريبُ الطالبِ على القراءةِ ببعضِ أجزاءٍ مِن القرآنِ قبلَ البَدءِ بختمةِ الإجازةِ التي يجبُ أن تكونَ خاليةً مِن الأخطاء.

وعليه أيضًا اختبارُ الطالبِ بالوقفِ على كلِّ كلمةٍ يَصعُبُ الوقفُ عليها على غيرِ المتعلِّم، مثلُ:
﴿
حَاضِرِي مِن قولِه تعالى: ﴿حَاضِرِي الْـمَسْجِدِ الْـحَرَامِ سُورَةُ البقرة 169،  و﴿ويَمْحُ مِن قولِه سبحانه: ﴿ وَيَمْحُ اللهُ البَاطِلَ سُورَةُ الشُّورى 24، وغيرِ ذلك.

كما عليه اختبارُ الطالبِ بالاِبتداءِ بالكلماتِ التي يَصعُبُ الاِبتداءُ بها على غيرِ المتعلِّم، مثلُ: ﴿اجْتُثَّتْ ، و﴿ امْشُوا ﴾، و﴿ لْئَيْكَة ، و﴿ لْيَقْطَعْ وغيرِ ذلك.

ويَختبِرُه أيضًا بوصلِ الكلماتِ التي يَصعُبُ وصلُها على غيرِ المتعلِّم، مثلُ: ﴿ مَا هِيَهْ * نَارٌ  
 و
﴿ طُوًى * اذْهَبْ   و﴿ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ و﴿ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إلى غيرِ ذلك.

والأَوْلى تدريبُ الطالبِ على مراتبِ القراءةِ الثلاث، ولا بأسَ أن يقرأَ الثُّلُثَ الأوَّلَ مِن القرآنِ بمَرْتبةِ التحقيق، والثُّلُثَ الثانيَ بمرتبةِ التَّدْوير، والثُّلُثَ الأخيرَ بالحَدْر، فيكونَ قد أَتقَنَ المراتبَ كلَّها.

وقد شاهدْنا بعضَ مَن يُتْقِنونَ القراءةَ بالتحقيقِ أو بالتَّدويرِ ولا يُتقِنونَها بالحَدْر ؛ لأنَّ شيخَهم لم يُدرِّبْهم على هذه المرتبة، وهي ضروريةٌ في المراجعةِ والمدارَسةِ وفي صلاةِ التراويحِ وقيامِ الليل.

 أركانُ الإجازةِ بالقرآن الكريم

أوَّلًا: مُجيز: وهو الشيخُ الذي يَسمَعُ القرآنَ كلَّه من الطالبِ مع التجويدِ والضبطِ التامِّ.

ثانيًا: مُجاز: وهو الطالبُ الذي يقرأُ أمامَ الشيخِ ويتلقَّى منه القرآن.

ثالثًا: مُجازٌ بهِ: وهو القرآنُ العظيم, الذي هو كلامُ اللهِ تعالى, المنزَّلُ على رسولِ اللهِ محمدٍ e باللسانِ العربيِّ، المُعجِزُ بأَقصرِ سورةٍ منه، المكتوبُ في المصاحف، المنقولُ إلينا بالتواتُر، المتعبَّدُ بتلاوته، المبدوءُ بسورةِ الفاتحة، المختومُ بسورةِ الناسِ، وذلك بإحدى رواياتِه التلفُّظيَّةِ أو أكثر.

رابعًا: إسناد: وهم الرجالُ الذينَ نقلوا لنا القرآنَ العظيمَ مُشافَهةً، كلُّ واحدٍ منهم قرأَ على شيخهِ، وشيخُهُ على شيخِهِ، وهكذا إلى رسولِ اللهِ e، عن أمينِ الوحيِ جبريلَ، عن ربِّ العِزَّةِ تبارك وتعالى.

ويبقى بعد ذلك التفاوت الجائز بين الطلاب في الإتقان ، فبعضهم أشد إتقاناً وضبطاً من بعض ، ويزيد الله مَنْ يشاء ما يشاء ، والله ذو الفضل العظيم، ولكن مَنْ قَصَّر في التلقي ، وأخلَّ بالقرآن في أدائه وإتقانه، ولم يبدُ عليه أَثَره كان حرياًّ أن يُحرم من هذا الشرف لعدم أهليته ، فإنه ينبغي أن يبقى للقرآن هيبة في قلوب المؤمنين ، وللعلمِ حُرمة تُصَان وتُحتَرم ، وإلا لم يبق للمُجِدِّ فضيلة ، ولا السَّابق مزية.

لذا يَهيب المجلس العالمي لشيوخ الإقراء بالمقرئين والمجيزين أن يَأخذوا بالاعتدال في الإقراء،
فلا يتساهلون في مَنحِ الإجازة ولا يتشدَّدون.

تم اعتماد هذه صور من التساهل الذي يَحدث في الإقراء المباشر وعن بُعد من قِبل أعضاء المجلس العالمي لشيوخ الإقراء في اجتماع المجلس الثالث الذي عُقد في مكة المكرمة 25/رمضان/1440هـ  الموافق 30/مايو/2019م برئاسة معالي الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى رئيس المجلس والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي